أعلن الرئيس الألماني كريستيان فولف استقالته، أمس، بعد أن طلب ممثلو الادعاء من البرلمان تجريده من الحصانة ضد محاكمته في قضية استغلال للسلطة.
وقال فولف للصحافيين في قصر بيلفو، مقر إقامته الرسمي في برلين، إنه قرر التنحي لأن ألمانيا بحاجة إلى رئيس يتمتع بثقة الشعب الكاملة، مضيفا «إن الأحداث التي وقعت خلال الأيام والأسابيع الماضية أظهرت أن هذه الثقة، وكذلك قدرتي على العمل بفعالية، تضعف باستمرار»، ولذلك فإنه سيستقيل بسرعة لإفساح الطريق لخلفه. وعبر عن قناعته بأن التحقيق القانوني في سلوكه من شأنه أن يؤدي لـ«تبرئة كاملة». وقد وضع هذا الإعلان حدا لأسابيع من الكشوفات حول قضائه عطلات مع بعض الأصدقاء الأغنياء، وسلسلة من الامتيازات والمعاملات التفضيلية، التي قد لا تكون غير قانونية ولكنها غير لائقة بالتأكيد.
وقد أصبحت الفضيحة الناجمة مصدر تشتيت متزايد للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وحكومتها في خضم أزمة اليورو. وقد ظهرت أنباء، بينما كان فولف يستعد لإعلان استقالته، عن إرجاء ميركل الزيارة التي كانت تزمع القيام بها أمس إلى روما للاجتماع برئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، قبل اجتماع وزراء المالية الأوروبيين، المقرر عقده في مدينة بروكسل يوم الاثنين المقبل.
وقالت ميركل التي اكتسى وجهها بعلامات الجدية والحزن، متحدثة في المؤتمر الصحافي الذي عقد في مقر المستشارية، إن كتلة المحافظين ستجري مباحثات مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر المعارضين في محاولة لطرح «مرشح مشترك» ليحل محل فولف كرئيس للبلاد. وقالت ميركل، إن فولف وزوجته بيتينا قد «مثلا الألمان في الداخل والخارج بكرامة».
كما ذكرت وسائل الإعلام الألمانية أن ميركل سوف تجتمع أيضا بقادة التحالف خلال عطلة نهاية الأسبوع في محاولة للاستقرار على اسم المرشح الذي سيخلف فولف. وقد يتطور أمر الجمعية الخاصة لانتخاب الرئيس ليصبح بمثابة اختبار لمدى سيطرتها على التحالف. وسرعان ما رحبت الأمينة العامة للاشتراكيين الديمقراطيين أندريا ناليس ورئيسة النواب الخضر ريناتي كوناست بعرض المستشارة لإجراء مباحثات، بعد أن كان حزباهما يطالبان برفع الحصانة عن الرئيس.
يذكر أن فولف أصبح ثاني رئيس ألماني على التوالي يتخلى عن منصبه مبكرا، حيث كان سلفه هورست كولر، قد استقال هو أيضا من منصبه بعد الغضب من التعليقات حول دور الجيش الألماني في حماية المصالح الاقتصادية للبلاد. ويبدو فولف (52 عاما) وهو أصغر رئيس ألماني سنا، محافظا عصريا ولم يكن ظاهرا قبل تدفع به سلسلة فضائح إلى وسط الساحة الإعلامية. فهو يتعرض يوميا تقريبا لانتقادات في وسائل الإعلام لأنه تكتم على قروض أو حصل على عطلة مجانية لدى رجال أعمال أثرياء في إيطاليا وفي مايوركا والولايات المتحدة ثم محاولة الضغط على صحافيين، ولا سيما في صحيفة «بيلد» النافذة لمنع نشر معلومات إضافية. واعتبر 77 في المائة من الألمان أن صورته تضررت نهائيا، بينما طالب 48 في المائة باستقالته بحسب استطلاع أخير. وانتخب فولف، الأنيق المبتسم الوجه، بصعوبة في 30 يونيو (حزيران) 2010 في الدورة الثالثة والأخيرة من الاقتراع، حيث كان يكفي حصوله على أكثرية بسيطة. وقد شكل انتخابه بهذه الطريقة إهانة لميركل التي طرحته، نظرا إلى أن ائتلافها الحكومي كان يمتلك أكثرية في اللجنة الانتخابية. وسبق أن وجدت المستشارة صعوبة في العثور على مرشح للرئاسة بعد استقالة كولر المفاجئة.
وكان ممثلو الادعاء قد طلبوا أول من أمس من «البوندستاغ»، (البرلمان الفيدرالي) نزع حصانة فولف ضد المحاكمة، قائلين، إن لديهم «مؤشرات واقعية» عن علاقاته غير اللائقة، والمشتبه بها منذ فترة طويلة، بمجموعة من رجال الأعمال. وقال بيان صادر عن ممثلي الادعاء، إن «مكتب المدعي العام في هانوفر لديه الآن ما يكفي من المؤشرات الواقعية والشكوك الأولية عن قبول فولف لمعاملات تفضيلية». وكنتيجة لذلك، تم التقدم بطلب إلى «رئيس البرلمان الألماني برفع الحصانة عن الرئيس». وبعد هذا الإعلان، قال أعضاء قياديون في الحزب الديمقراطي الاشتراكي المعارض، إن الحزب سيصوت لصالح نزع الحصانة عن فولف، معززين حجم الضغط، في حين دعا أحد كبار أعضاء حزب الخضر إلى ضرورة استقالة فولف بشكل فوري.
وقد ظهرت الفضيحة لأول مرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مع ورود الأنباء بأن فولف، أثناء وجودة في منصبه كحاكم لولاية سكسونيا السفلى، قد حصل على قرض خاص من زوجة صديق ثري بلغت قيمته نحو 650 ألف دولار. وقد تركز الاهتمام في الآونة الأخيرة على علاقة فولف بمسؤول تنفيذي لشركة إنتاج سينمائي، استضاف فولف خلال عدد من العطلات، والذي تلقت شركته ضمانات قروض من ولاية سكسونيا السفلى. ولكن مع ذلك، قال ممثلو الادعاء في بيان، إن من وظيفتهم «التحقيق في الظروف ذات الصلة، والتي قد يكون من شأنها تبرئة فولف أو تجريمه».
وقد شكلت هذه الفضيحة إحراجا لميركل، التي كانت قد رشحت فولف لمنصب رئيس ألمانيا، وهو منصب شرفي إلى حد كبير، ولكنه مهم من الناحية الأخلاقية. وقد كان هذا الأمر بمثابة اختبار غير مرغوب فيه بالنسبة للمستشارة أثناء تعاملها مع حزمة الإنقاذ المالية الثانية لليونان، ومحاولتها الحفاظ على تماسك دول منطقة اليورو معا.
وقال تيلمان ماير، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة بون، إن طلب المدعي العام نزع الحصانة عن فولف «أمر لم يحدث أبدا من قبل مع مسؤول رفيع المستوى، مما يجعله يمثل بداية فصل جديد في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية». ولكنه أضاف أنه في حين تلحق هذه الفضيحة الضرر بسمعة ميركل والاتحاد المسيحي الديمقراطي، فإن ميركل قد تمكنت من النجاة من فضيحة أسقطت وزير الدفاع السابق كارل تيودور زو غوتنبرغ بتهمة السرقة الأدبية خلال إعداد أطروحة دكتوراه في القانون. وقال ماير، إن «الناس معجبون برباطة جأش ميركل».