[
من هم
بنو قينقاع هم إحدى طوائف اليهود الثلاث الذين كانوا نزلوا المدينة النبوية قبل الإسلام بزمن طويل فراراً من اضطهاد الروم لهم وانتظارا للبنوة المحمدية المبشر بها في التوراة والإنجيل ، ولما حل النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة مهاجراً السنة الماضية أي الأولى من الهجرة عاهدهم معاهدة سلم وحسن جوار وقد تقدمت وثيقتها تحمل نصوص موادها .
الرسول يحذرهم
وقد نافق كثير من أخبارهم ووالوا المشركين في الخفاء وكانوا يتربصون بالنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدوائر ، ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر فرحوا ظناً منهم أن المسلمين سيهزمون ، وتخضد شوكتهم ، ويأفل نجم قوتهم ، ولما كان النصر للمسلمين والهزيمة للمشركين ، شرقوا بريقهم ، وكثروا عن أنيابهم ، وقالوا قالة السوء .
فما كان من الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن جمعهم في سوق بنى قينقاع ، وقال لهم في جملة ما قال : احذروا ما نزل بقريش وسالموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ) فقالوا - في وقاحة - يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة ، إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن انا نحن الناس ونزل رداً على مقالتهم وتهديدهم من سورة آل عمران قوله تعالي ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لأية لأولي الأبصار ) فأمر تعالى رسوله أن يخبرهم بهزيمتهم الآتية لا محالة ،وقد كانت ،وان مردهم إلى جهنم ،وذكرهم بهزيمة المشركين أوليائهم على كثرتهم وشدة قوتهم .
سبب الموقعة:
ومضت أيام قلائل وجاءت امرأة مسلمة بجلب لها فباعته بالسوق ، ومالت إلى صائغ يهودي لتشترى منه مصاغاً فجلست وحوله يهود فعابوا عليها لستر وجهها ،وطالبوها بكشف وجهها ، فأبت ذلك حفاظاً على عفتها ،وصيانة لشرفها ،ومن أن تبذل وجهها ينظر إليها غير محارمها ، فما كان من أحد أولئك اليهود عليهم لعائن الله إلا أن غافلها وربط طرف درعها من أسفله بطرف خمارها ، فلما قامت انكشفت عورتها فصاحت واكشفتاها فسمعها رجل مسلم فهب إليها فرأى ما بها فضرب اليهودي ضربة قتله بها ، وقام يهود فاشتدوا على المسلم فقتلوه فمات شهيداً رضى الله عنه وأرضاه هب رجال من المسلمين للحادث فاقتتلوا مع اليهود
نقضهم للعهد:
وبهذا نقض يهود بني قينقاع عهدهم ، وطرحوا معاهدتهم فنزلوا حصونهم فتحصنوا بها فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحاصرهم نصف شهر حتى نزلوا من حصونهم على حكمة فتحصنوا بها فغزاهم بها فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتفوا أي ربطوا بجبال في أيديهم وأرجلهم لقتلهم بموجب بنود المعاهدة المعقودة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل تنفيذ الحكم فيهم توسط في خلاصهم والعفو عنهم حليفهم عبدالله بن أبي كبير المنافقين بردائه صلى الله عليه وسلم وانتهر ابن أبي وقال له (ويحك أرسلني ) اذ قد اخذ المنافق لا أرسلك حتى تحسن إلى موالى ، وهم أربعمائة حاسر أي بدون دروع. وثلاثمائة ارع قد منعوني من الأحمر ، والأسود تحصدهم في غداة واحدة وإني والله لأخشى الدوائر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( هم لك خلوهم ) لعنهم الله ولعنهم . وانزل الله تعالي فيه لعنه الله قوله ( هم لك الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين ، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى دائرة الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما اسروا في أنفسهم نادمين ) وجاء عبادة بن الصامت وكان مرتبطا بحلف مع يهود بني قينقاع فقال ، يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين ،وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم فكان معنياً بقول الله تعالي ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) وبقوله تعالي (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون).
العفو عنهم:
ولما أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشفاعة ابن أبي خرج بهم عبادة بن الصامت إلى أن وصل بهم ذباباً ثم ساروا وحدهم إلى أذرعات من الشام ،ولم يلبثوا غلا قليلا حتى هلكوا .ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزوهم في حصونهم ولى على المدينة أبا لبابة الأنصاري وأعطى لواءه حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه .
ولما أجلى بنو قينقاع قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم واخذ خمس الغنيمة ليفقه فيما أمر الله تعالي أن يفقه فيه حيث نزلت سورة الأنفال وفيها قول الله تعالى ، ( واعلموا أنما غنمتهم من شئ فإن لله خمسة وللرسول ولذى القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل ) .