إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102].
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء: 1].
{يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
لماذا هذا الموضوع…؟
الحقيقة.. أنني على علم بأن موضوع هذه الرسالة غاية في الحساسية، وعلى درجة كبيرة من الخطورة، ومع ذلك فإنني على قناعة تامة بأن مثل هذا الموضوع يجب أن يُطرق مرارًا، وبأساليب مختلفة رزينة، تفي بالغرض، وتُوضح الأسباب والآثار المترتبة عليه، لا سيما وأن كثيراً من الناس في غفلة عنه، ولم يقدروا له قدره..
فقد تَبَيِّن لي من خلال المعايشة أن (عمل المرأة ودراستها المتأخرة) من أعظم أسباب (العنوسة)، وأكثرها تفشياً في وقتنا الحالي.
وقد كان وراء كتابتي حول هذا الموضوع دوافع عديدة؛ أهمها: تلك الرسائل التي سطرتها صاحبات هذه المأساة، تملؤها الصرخات المدوية، وتحس وأنت تقرؤها بحشرجة صدور صاحباتها، ونبرة الحزن في حروفهن..
فمن قائلة: "أتوق إلى بيت وأسرة مثل باقي البنات.. أصبحت مثل الرجال في تحمّل كل شيء، ولكن قلبي قلب طفل.. طالما بكيت بيني وبين نفسي حتى لا يرني أحد…".
وقائلة: "أصبحت كلمة (عانس) بمثابة الخنجر الذي يصيب صميم فؤادي..".
وأخرى يعبّر عنها قول القائل:
فعبرت سور الأربعين ولم تزل بي للطفولـة عـودة وصهيل
فعند ذلك لملمت أوراقي، وجمعت شتات فكري، وقصاصات الورق التي أحتفظ بها، وشرعت بكتابة هذه الرسالة، سائلاً الأجر من الله وحده، ومستلهماً الصواب منه؛ {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}. [هود: 88].
ورجائي أن لا يُفهم من وراء نقلي لهذه الآهات والحسرات أنني أوردها من أجل التسلية والقراءة، أو من أجل التجريح، وإثارة الأشجان..
كلا وحاشا..
يعلم الله أنني ما كتبت ذلك إلا من أجل الاعتبار، وتجنب الأسباب التي تجرُّ إلى الوقوع في هذه المعضلات، التي راح ضحيتها فتيات لا ينقصهن شيئاً ليكن ربات بيوت لهن أزواج وأبناء، ويمارسن حياتهن كغيرهن من النساء، ولكن غلطة لم يُنتبه لها، وسوء تقدير، وجهل في العاقبة، هو الذي أوصل إلى هذه الحال..
فكان لا بد من تناول الموضوع بجدِّية، لا سيما ممن يُظَن بهم الخير والحرص على حال إخوانهم وأخواتهم، واستشعار مآسيهم.. لأن الفاجر لا تهمُّه إلا نفسه وشهوته.. بل لعله يتمنى ويعمل جاهداً على تفشي هذه المشكلة، لِما لها من دور عظيم في نشر الفساد والرذيلة، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
فهذه مقاطع أنقلها إبراءً للذمة، وتصويراً للمأساة بما استطعت، وبحوادث واقعية، وإحساساً بحال أخوات لنا بعضهن أفصحن، وبعضهن كتمن، ولكن من عِظَم ما يحملن في قلوبهن من الهمّ والحزن نطق لسان حالهن.. فكُنّ كما قال القائل:
عـام وآخـر والحـرمان مركبتي وفي دمي من رياح الشـوق إعصارُ
ثقيلـة هـذه الأسـرار أحملهـا وربمـا تقتـل الإنسـانَ أسـرارُ
قد افتضحت ولم أفصح فكيف إذا صبابتي أفصحـت وانثـال إجهارُ؟
فـلا المشـوق لـه أمر على نَظَرٍ ولا تخبىء ذلّ الـدمـع أنظــارُ
فهذا هو بالضبط حال أخوات لنا، ضَنَّ الموجه لهن وندر؛ في فترة مهمة من فترات العمر، فانخدعن بزيف الإدعاءات، ثم لم يفقن إلا على الحقيقة المرة.
فهل ننتظر أن تتوالى المآسي، وتنضمّ إليهن الضحايا فوجاً بعد فوج..؟!
إذاً فالواجب علينا أن نُبين للناس ما غفلوا عنه، ونذكِّرهم بما نسوه، فإن الأمر جدُّ خطير.. إن لم يقم به عقلاء قوم، فستكون عواقبه وخيمة، ونتائجه فادحة..
نسأل الله اللطف بعباده، والوقاية من كل سوء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تساؤلات
هذه الفتاة التي ترفض الارتباط بزوج من أجل الدراسة.. أما توقفت قليلاً لتفكّر في عاقبتها ومآل أمرها؟.. هل وردت في ذهنها هذه التساؤلات؟..
أما قالت: وماذا سأفعل بعد الحصول على المؤهل العلمي.. وما الذي سأجنيه؟..
ماذا لو وصل عمري إلى الثلاثين أو الأربعين وأنا لم أتزوج؟..
هل ستحقق الشهادة لي الاستقرار الذي سأجده في الزواج؟..
هل ستسليني الشهادة في وحدتي؟.. هل ستغنيني عن الأمومة؟.. إلى أين سآوي في زحمة الحياة إن لم يكن لي زوج يشاركني همومي ومشاكلي؟
كل هذه التساؤلات يجب أن تضعها الفتاة نصب عينيها فإنها إن لم تسأل نفسها هذه الأسئلة قبل الانخراط في زحمة الدراسة والعمل، فإن ذلك (نذير الخطر)، ودليل الغفلة، ولكن قد لا تتكشَّف لها الحقائق إلا في وقت متأخَّر.. حين يذهب شبابها، ويذبل عودها، وتفقد كثيراً مما يرغب الرجال في الزواج منها..
مهْلاً.. فَكِّري بِتَعَقُّلْ…
عندما تنهي الفتاة دراستها الثانوية، وتلتحق بالدراسة الجامعية، فإن هذا يُعتبر مؤشراً خطيراً وخيفاً، وذلك أن بعض الفتيات ترفض الارتباط بزوج حتى تُنهي دراستها الجامعية، وربما فكَّرت بالدراسات العليا.. وهذا يعني تقدمها في العمر إلى سن الخامسة والعشرين أو يزيد، على حسب التخصص الدراسي.. وذلك في وقت امتلأت فيه البيوت بصغيرات السن..
فهل تظن هذه الفتاة بأن فرصة الزواج بالنسبة لها مهيأة كما لو كانت وهي صغيرة؟..
قالت:
"لقد كنت في مقتبل عمري أحلم بذاك القدر العالي من التعليم، ولا أنكر أنني كنت أحلم بالرغبة في أن أصبح أماً وزوجة في المستقبل، ولكن كان التعليم عندي يسبق كل الأهداف، لدرجة أنني كنت أرفض الاعتراف برغبتي في الزواج..
وبقي الحال كذلك حتى حصلت على (الماجستير)، وانتهت رحلة المعاناة الدراسية، وبدأ القلق يتسرّب إلى الأعماق، واستيقظت على الحقيقة، وهي أنني أصبحت أكثر رغبة في الزواج.. ومضت ست سنوات بعد تخرجي حتى تجاوزت الثلاثين من عمري، وهنا كانت الصدمة عندما جاء أحد الخطّاب، والذي أنشد فيه مواصفاتي، ولكنه احتفظ لنفسه بهذا الحق.. حق وضع الشروط والمواصفات، وقد جمع حقائبة وانسحب حينما علم بعمري الحقيقي.. بل قالها صريحة: لا حاجة لي بامرأة لم يعد بينها وبين سن اليأس سوى القليل..
سمعت هذا لأدرك الهزيمة المُرّة، وأيقنت أنني دخلت في زمن (العنوسة)، الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام من حين لآخر..
واليوم وبعد أن كنت أضع الشروط والمواصفات والمقاييس في فارس أحلامي، وكنت أتعالى يوم ذاك، بدأوا هم يضعون مقاييسهم في وجهي، وهو ما دفعني أن أفكّر كثيراً في أن أشعل النار في جميع شهاداتي، التي أنستني كل العواطف، حتى فاتني القطار..
"بدأت أحمل في نفسي الحسرة على أبي الحنون، الذي لم يستعن بتجاربه في الحياة في تحديد مسار حياتي"..
نعم.. إن تعليمي قد زادني وعياً وثقافة، ولكن كلما ازددت علماً وثقافة ازددت رغبة في أن أكون أماً وزوجة.. لأنني أولاً وأخيراً إنسانة.. والإنسان مخلوق على فطرته".
هل التعليم الجامعي نقمة؟!!
بعض النساء وللأسف الشديد ـ رغم وصولها إلى سن متقدم ـ لا تريد أن تقدّم ولو بعض التنازلات، بل إنها تعيش في حلمها القديم، فتظن أنها لم تزل تلك الفتاة الصغيرة المرغوب فيها.. التي تضع الشروط لزوج المستقبل، فلا يملك الرجل سوى التسليم..
وهذا خطأ.. فيجب أن تفهم أن تلك الفترة التي كانت تعيشها.. تحوّلت وتبدّلت، وأن ترضى بالواقع، وتعلم أنها في وقت لا تملك فيه إلا أن تتنازل عن المواصفات التي وضعتها للرجل الذي تريد الارتباط به.
فالتنازل في هذا الموضع ممدوح، فهو من أجل الحصول على غاية أكبر وفائدة أعظم، ولا يُستغرب هذا، فإن هذه سنة الله التي لا تتبدل..
فقد يكون الإنسان يوماً من الأيام يملك زمام الأمور في مسألة ما، وفي يوم آخر لا يملك سوى التنازل عنها أو عن بعضها..
ولأنها إن لم تفعل ذلك، وتوافق على رجل يحمل بعض المواصفات، فلعلها تضطر في وقت من الأوقات أن توافق على أي رجل، ولو لم يحمل أدنى المواصفات، من أجل أن تهرب من الوحدة والخوف على ما بقي من العمر.. وهذا لأن لكل فترة ما يناسبها، ولا يُتصور في مثل هذا الموضوع أن المرحلة التي ستقدم عليها هي خير من التي تعيش فيها.. إلا أن يشاء الله.
قالت:
"أنا جامعية، حاصلة على (الماجستير)، وعلى قدر طيب من الجمال والخلق والذكاء، لم يتقدم لي إنسان من وجهة نظري مناسب.. ولم أكن أحب الارتباط برجل متزوج، وهم من تقدموا لي..
وفجأة مات أبي وأمي في عام واحد؛ وأصبحت يتيمة، وكل أخوتي متزوجون، وأصبحت مأزقاً لهم جميعاً، فلا أحد يرحب بوجود الأخت والزوجة في مكان واحد.
المهم.. تقدم لي خاطب، خالٍ من كل ميزة، فوجدت نفسي أهرب من الوحدة، ومن لقب عانس، الذي كنت أسمعه بنفسي، وفي مكان عملي، ومن الرجال والنساء..
وتزوجت.. وإذا بي أعيش جحيماً حقيقياً؛ وأنا المتعلمة الجميلة الذكية جداً، في البيت قبل العمل، بشهادة زوجي في لحظات الصفاء.
وهو ـ بالمناسبة ـ يضربني ويركلني، ويشتمني أحياناً، ويعلم أنني بلا مأوى، ولا أب ولا أم، ولا أعمام يسألون عني، ومضطرة إلى الاحتمال، فأبنائي خمسة، سيرثون التعاسة لا محالة.
فهل التعليم الجامعي نقمة…؟!".
امرأةٌ.. مع وقف التنفيذ…
الوظيفة هي الشق الآخر المكمل للدراسة، ولا ينفكّ أحدهما عن الآخر غالباً.
فبعض النساء أول ما تفكِّر فيه بعد التخرّج أن تعمل؛ وهنا يبدأ محور جديد..
فبعضهن يُعرض الخطّاب عن الارتباط بها لأنها تعمل في وظيفة اختلاطية تضم الرجال والنساء معاً؛ وفي كثير من المجتمعات التي لا زالت تحتفظ بأصالتها لا يرتضي الرجل لنفسه أن يتزوج بامرأة كسرت حاجز الحياء وتخطّته.
وبعض النساء ترفض الارتباط برجل من أجل أن تحقق طموحاتها في مجال مهنتها؛ وقد لا تتحقق هذه الطموحات إلا بعد أن تخسر كل شيء..
قالت: "لم أشعر بأن العمر يجري مني بسرعة كبيرة..
ما زلت أتذكر اليوم الذي تخرّجت فيه من الجامعة لأزاول مهنتي ووظيفتي، التي اخترت دراستها بالجامعة، ومع معترك الوظيفة والعمل وجدت نفسي أُشرف على أبواب الثالثة والثلاثين من العمر دون أدنى إحساس بكوني امرأة.
اعتقدت أني أستطيع تحقيق التوازن المطلوب، ولكن في لحظة شعرت بحاجتي إلى الاستقرار وبأهمية أن تكون لي حياتي الخاصة.. وتحوّلت نظرتي من السطحية في أمور الزواج إلى نظرة واقعية تجاه الحياة، فالبحث عن بعض التغيير أمر طبيعي، ولكن أن نأمل في تغيير كامل.. هذا هو المستحيل بعينه..
قد تكون من في سنّي تزوجت وكوّنت أسرة.. وقد يأتي يوماً ما النصيب؛ وذلك بيد الله سبحانه وحده.
ففي العشرين من العمر نسيت أني امرأة عندما رفضت الزواج وتكوين أسرة وأطفال.. وفي الثلاثين من العمر نسيت أني امرأة، عندما كنت أنا البادئة في طلب الزواج.. فهل فعلاً نسيت أني امرأة؟..
وهل من حقي أن أطالب بالزواج؟"..
التوقيع: امرأة مع وقف التنفيذ..
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها عن الجهـل بعد الحلم أسبلتا معا
وأذكـر أيـام الصـبى ثم انثني على كبدي من خشية أن تصدعا
لا يَعْرِفُ الجُرْحَ إلاّ مَنْ بِهِ أَلَمُ..
إنه مما لا شك فيه أن الإنسان لو تكلَّم في أي موضوع كان.. لا يستطيع تصويره كما يصوره من عايشه، لا سيما إذا كانت هذه المعايشة معاناة، فإنك ستجد أكثر الناس صدقاً في وصفها من ذاق مرارتها وآلامها.
ولذا فإني أنقل لأخواتي هذه الحكاية، التي تحكيها إحدى النساء، تجسد فيها صِدق المعاناة.. وإن بها لعِبرة:
وقفت أستاذة جامعية أمام طلبتها وطالباتها، تلقي خطبة الوداع بمناسبة استقالتها من التدريس؛ فقالت: "ها أنا قد بلغت الستين من عمري، وصلت فيها إلى أعلى المراكز..
نجحت وتقدمت في كل سنة من سنوات عمري، وحققت عملاً كبيراً في المجتمع.
كل دقيقة في يومي كانت تأتي عليّ بالربح، حصلت على شهرة كبيرة، وعلى مالٍ كثير.
أُتيحت لي الفرصة أن أزور العالم كله، ولكن هل أنا سعيدة الآن بعد أن حققت كل هذه الانتصارات؟!
لقد نسيت في غمرة انشغالي في التدريس والتعليم، والسفر والشهرة، أن أفعل ما هو أهم من ذلك كله بالنسبة للمرأة..
نسيت أن أتزوج وأن أُنجب أطفالا وأن أستقر، إنني لم أتذكر ذلك إلا عندما جئت لأقدم استقالتي، شعرت في هذه اللحظة أنني لم أفعل شيئاً في حياتي، وأن أجد كل الجهد الذي بذلته طوال هذه السنوات قد ضاع هباءً.
سوف أستقيل، ويمر عام أو اثنان على استقالتي، وبعدها ينساني الجميع في غمرة انشغالهم بالحياة.. ولكن لو كنت تزوّجت وكوّنت أسرة كبيرة لتركت أثراً كبيراً وأحسن في الحياة..
إن وظيفة المرأة هي أن تتزوج وتكون أسرة، وأي مجهود تبذله غير ذلك لا قيمة له في حياتها بالذات..
إني أنصح كل طالبة أن تضع هذه المهام أولاً في اعتبارها"..
وقديماً قيل:
شيئان لو بكت الدماء عليهما عيناي حتى يؤذنـا بذهـابي
لم يقضيا المعشار من حقيهما فقـد الشباب وفرقة الأحباب
ماذا عسانا أن نفعل…؟
إذا تأملت ما مضى وأمعنت النظر فيه جيداً، تبيَّن لك جلياً تلك النتائج التي وصلت إليها كثير من النساء.. فإن كنت وليّ أمر إحداهن فاحذر أن تخطئ التقدير، وعليك بالتوجيه.. فبعض الرجال يظن أنه إن لم يتدخل في حياة ابنته ـ ولو بشكل لائق ـ أن ذلك من باب العطف والإحسان، وأن لا يفرض عليها ما لا تريد..
وهذا خطأ.. فإن الفتاة إذا بقيت من غير زواج، فإن ذلك لا يعني أنها تتحمَّل المسؤولية لوحدها.. بل إن وليّ الأمر يحمل نصيباً من ذلك..
وهذا ليس من وجهة نظر عامة الناس الذين لا شأن لهم بالموضوع، بل إنه من وجهة نظر الفتاة نفسها، وقد مضى ما يدل على هذا المقصود.
وكلمة أتوجَّه بها إلى أختي فأقول:
قد علمت يقيناً ما وقع لأخوات لك بسبب سوء التقدير، وعدم وضع الأمور في نصابها الصحيح، فجلسن يتأوهن من الجراح، ويندبن أحوالهن، ونحن لم نسق ذلك إلا لتعرفي خطورة الأمر فتجتنبي الأسباب المؤدية إليه.
فإن كنت في مأمن ـ الآن ـ فاحمدي الله، واحذري أن تقعي فيما وقعن فيه، فإن الأيام تركض، والعمر قصير..
وهذه الدار لاتبقى على أحد ولا يدوم على حـال لها شان
فإذا تقدم لك الكفء.. فإياك أن تُقدمي الدراسة أو الوظيفة على الزواج، فوالله إن كل ذلك لا يساوي شيئاً بالنسبة للاستقرار والعِفَّة والأمومة..
فإن كنت لا بد فاعلة.. فتزوجي أولاً حتى لا تفوتي على نفسك الفرصة..
ثم بعد ذلك إن رأيت من الزوج موافقة على دراستك أو وظيفتك؛ إذا كانت محاطة بالحدود الشرعية من غير اختلاط ولا فساد؛ فهذا أمر راجع له، ويُقضى بينكما، وإن لم يوافق فلن تخسري شيئا.
فمصلحة كونك زوجة لا تُقارن بمفسدة جلوسك من غير زواج ربما إلى سن خطيرة وحرجة لا تستطيعين حينها أن تختاري من تشائين، وبالمواصفات التي تريدين..
وإن كانت قارئة هذه الرسالة من أخواتنا اللاتي ابتلين بالجلوس من غير زواج إلى سن متقدمة..
فأوصيهن أولاً: بالصبر فإنه مفتاح كل خير؛ قال تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا لله راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. [البقرة: 155-157].
وأوصيهن ثانياً: بالتنازل عن بعض الشروط اللاتي وضعنها ولا يردن التزحزح عنها، فإن ذلك صعب، ولكل حال مقال.
ولعله يتساءل متسائل فيقول: ولماذا اخترت هذا السبب فقط، وهناك الكثير من الأسباب لم تتعرض لها..؟
فأقول: إنني اخترت هذا السبب بالذات لأنه هو المنتشر في أوساطنا في الوقت الحالي، وهو من أعظم الأسباب تأثيراً من وجهة نظري الخاصة والتي قد يشاركني فيها الكثير.. وإذا أردت التأكد فيكفيك نظرة واحدة إلى الجامعات والكليات والمعاهد.. لتجد أن نسبة كبيرة منهن لم يزلن من غير زواج..
فالموضوع خطير لا يساويه أي سبب..
ومع ذلك.. فإنني قد تناولت أسباب العنوسة برسالة مستقلة مطبوعة، بعنوان:
"وقفة قبل ضياع العمر"؛ ذكرت فيها الأسباب الرئيسة لهذه المشكلة المستعصية.. فليراجعها من شاء غير مأمور؛ فهي مهمة في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
أخيراً..
لتعلم أخَيَّتي الكريمة ـ على وجه الخصوص ـ أنني لم أكتب ذلك تجريحاً وتوبيخاً، ولكن يعلم الله أنني ما كتبته إلا من دافع حرصي عليها.. أن تفقد ركناً من أعظم الأركان التي تقوم عليها الحياة الهانئة.