ولما أراد الله تعالى رحمه العباد وكرامته بإرساله العالمين حبب إليه الخلاء وكان يتحنث في غار حراء كما كان يصنع ذلك متعبدو ذلك الزمان كما قال أبو طالب في قصيدته المشهورة اللامية وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق ليرقى في حراء ونازل ففجأة الحق وهو بغار حراء في رمضان وله من العمر اربعون سنة فجاءه الملك فقال له اقرأ قال لست بقارئ فغته حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال له اقرأ قال ليست بقارئ ثلاثا ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره فأخبر بذلك خديجة رضي الله تعالى عنهما وقال قد خشيت على عقلي فثبتته وقالت أبشر كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهرفي أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلاقه صلى الله عليه وسلم وتصديقا منها له وتثبيتا وإعانة على الحق فهي أول صديق له رضي الله تعالى عنها وأكرمها ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئا وفتر عنه الوحي فاغتم لذلك وذهب مرارا ليتردى من رؤوس الجبال وذلك من شوقه إلى ما رأى أول مرة من حلاوة ما شاهده من وحي الله فقيل إن فترة الوحي كانت قريبا من سنتين أو اكثر ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسي وثبته وبشره بأنه رسول الله حقا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق منه وذهب الى خديجة وقال زملوني دثروني فأنزل الله عليه يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر وكانت الحال الأولى حال نبوة وإيحاء ثم أمره في هذه الآية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى الله فشمر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف وقام في طاعة الله أتم قيام يدعو إلى الله سبحانه الكبير والصغير والحر والعبد والرجال والنساء والأسود والأحمر فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة وكان حائز سبقهم أبوبكر رضي الله عنه عبد الله بن عثمان التيمي وآزره في دين الله ودعا معه الى الله على بصيرة فاستجاب لأبي بكر عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن أبي وقاص وأما علي فأسلم صغيرا ابن ثماني سنين وقيل كان إسلامه قبل إسلام أبي بكر وقيل لا وعلى كل حال فإسلامه ليس كإسلام الصديق لأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من عمه إعانة على سنة محل وكذلك أسلمت خديجة وزيد بن حارثة وأسلم القس ورقة بن نوفل فصدق بما وجد من وحي الله وتمنى أن لو كان جذعا وذلك أول ما نزل الوحي وقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه في المنام في هيئة حسنة وجاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت القس عليه ثياب بيض وفي الصحيحين أنه قال هذا الناموس الذي جاء موسى بن عمران لما ذهبت خديجة به إليه فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من أمر جبريل عليه السلام ودخل من شرح الله صدره للاسلام على نور وبصيرة ومعاينة فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة وصان الله وحماه بعمه أبي طالب لأنه كان شريفا مطاعا فيهم نبيلا بينهم لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له وكان من حكمة الله بقاؤه على دينهم لما في ذلك من المصلحة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا لا يصده عن ذلك صاد ولا يرده عنه راد ولا يأخذه في الله لومة لائم