ولما اشتد أذى المشركين على من آمن وفتنوا جماعة إنهم كانوا يصبرونهم ويلقونهم في الحر ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة الحر حتى إن أحدهم إذا أطلق لا يستطيع أن يجلس من شدة الألم فيقولون لأحدهم اللات إلهك من دون الله فيقول مكرها نعم وحتى إن الجعل ليمر فيقولون وهذا إلهك من دون الله فيقول نعم ومر الخبيث عدو الله أبو جهل عمرو بن هشام بسمية أم عمار هي تعذب وزوجها وابنها فطعنها بحربة في فرجها فقتلها رضي الله عنها وعن ابنها وزوجها وكان الصديق رضي الله تعالى عنه إذا مر بأحد من الموالي يعذب يشتريه من مواليه ويعتقه منهم بلال وأمه حمامة وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية بني عدي كان عمر يعذبها على الاسلام قبل أن يسلم حتى قال أبوه قحافة أبو يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أعتقت قوما جلدا يمنعون فقال له أبو بكر إني أريد ما أريد فيقال إنه نزلت فيه وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى الى أخر السورة فلما اشتد البلاء أذن الله سبحانه وتعالى في الهجرة الى أرض الحبشة وهي في غربي مكة بين البلدين صحاري السودان والبحر الآخذ من اليمن إلى في القلزم فكان أول من خرج فارا بدينه الى الحبشة عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه الناس وقيل بل أول من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك ثم خرج جعفر بن أبي طالب وجماعات رضي الله عنهم وأرضاهم وكانوا قريبا من ثمانين رجلا وقد ذكر محمد بن إسحاق في جملة من هاجر إلى أرض الحبشة أبا موسى الاشعري عبدالله بن قيس وما أدري ما حمله على هذا فإن هذا أمر ظاهر لا يخفى على من هو دونه في هذا الشأن وقد أنكر ذلك عليه الواقدي وغيره من أهل المغازي وقالوا إن أبا موسى إنما هاجر من اليمن إلى الحبشة الى عند جعفر كما جاء ذلك مصرحا في الصحيح من روايته رضي الله عنه فانحاز المهاجرون الى مملكة أصحمة النجاشي فآواهم وأكرمهم فكانوا عنده آمنين فلما علمت قريش بذلك بعثت في إثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهدايا وتحف من بلادهم الى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك عليهم وتشفعوا اليه بالقواد من جنده فلم يجبهم الى ما طلبوا فوشوا إليه إن هؤلاء يقولون في عيسى قولا عظيما يقولون إنه عبد فأحضر المسلمون الى مجلسه وزعيمهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ما يقول هؤلاء إنكم تقولون في عيسى فتلا عليه جعفر سورة كهيعص فلما فرغ أخذ النجاشي عودا من الأرض فقال ما زاد هذا على ما في التوراة ولا هذا العود ثم قال اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي من سبكم غرم وقال لعمرو وعبدالله لو أعطيتموني دبرا من ذهب يقول جبلا من ذهب ما سلمتهم إليكما ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا مقبوحين بشر خيبة وأسوئها