Share | السؤال: ما هو حكم الحديث التالي في صحيح مسلم : عن معاوية بن الحكم قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمَّاهُ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُجواب :
الحمد لله
الضرب بالرمل وادعاء أن ذلك من علامات معرفة الغيب هو من فعل الكهَّان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويفسدون أديانهم وأديان الناس معهم .
والحديث الذي ذكره الأخ السائل هو حديث صحيح بلا شك ، لكنه لا يدل بحال على صحة ما يدعيه الكهان ؛ لأن خط ذاك النبي عليه السلام على الرمل كان آية من آيات الله ، علَّمه الله تعالى إياه ، ليكون دلالة على ما يوحي الله تعالى له به ، وما يعلمه إياه ، ثم إن نبينا صلى الله عليه وسلم قد علَّق أمر الخط على الرمل على مستحيل وهو موافقة الخط لخط ذاك النبي عليه السلام ، وأنَّى لمدَّعٍ أن يصدِّقه الموحدون إذا زعم أن خطه على الرمل آية من الله ، أو أن خطه موافق لخط ذاك النبي ؟! .
وستجد فيما يأتي جملة من كلام أهل العلم توضيحاً لمعناه وبياناً لبطلان كلام من زعمه حجة للكهَّان .
قال الأستاذ عبد المجيد المشعبي – وفقه الله - :
واستدل أرباب هذه الصناعة على جواز وصحة صناعتهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك ) ، قالوا : إن علم الرمل ثبت عن إدريس عليه السلام فهو المعلم الأول ، وكان علم الرمل من معجزاته ! .
وهذا دليل يدل على بطلان هذا العلم وعلى تحريم هذه الصناعة ولا يدل على إباحتها مطلقاً ؛ حيث إن العلماء بينوا معنى هذا العلم ، وباتضاح المعنى تتضح الدلالة .
قال الخطابي رحمه الله بعد سرد هذا الحديث : " يحتمل أن يكون معناه الزجر عنه ؛ إذ كان من بعده لا يوافق خطه ، ولا ينال حظه من الصواب ؛ لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي ، فليس لمن بعده أن يتعاطاه طمعاً في نيله . " معالم السنن " ( 2 / 374 ) .
وقال النووي رحمه الله تعالى : " اختلف العلماء في معناه ، والصحيح أن معناه : من وافق خطه فهو مباح له ، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة ؛ فلا يباح .
والمقصود : أنه حرام ؛ لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة ، وليس لنا يقين بها ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فمن وافق خطه فذاك ) ولم يقل : هو حرام بغير تعليق على الموافقة ، لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط ، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي ، مع بيان الحكم في حقنا ، والمعنى : أن ذلك النبي لا مانع في حقه ، وكذا لو علمتم موافقته ، ولكن لا علم لكم بها .
وقال القاضي عياض : " المختار : أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول ، لا أنه أباح ذلك لفاعله " ، قال : " ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا " .
ثم قال النووي : " فحصل من مجموع كلام العلماء فيه : الاتفاق على النهي عنه الآن " . " شرح النووي على صحيح مسلم " ( 5 / 23 ) .
وقال ابن خلدون : " ليس في الحديث دليل على مشروعية خط الرمل كما يزعمه بعض من لا تحصيل لديه ؛ لأن معنى الحديث : كان نبي يخط فيأتيه الوحي عند ذلك الخط ، ولا استحالة أن يكون ذلك عادة لبعض الأنبياء ، ( فمن وافق خطه فهو ذاك ) ، أي : فهو صحيح من بين الخط بما عضده من الوحي لذلك النبي الذي عادته أن يأتيه الوحي عند الخط ، وأما إذا أخذ ذلك من الخط مجرداً من غير موافقة وحي فلا " . " مقدمة ابن خلدون " ( ص 112 ) .
وقال ابن حجر الهيتمي : " تعلم الرمل وتعليمه حرام شديد التحريم ، وكذا فعله ؛ لما فيه من إبهام العوام أن فاعله يشارك الله في غيبه وما استأثر بمعرفته ... والحديث المذكور في مسلم يجب أن يحل على ما يطابق القرآن ، وما اتفق عليه إجماع أهل السنة ، وذلك بأن يحمل على الإنكار ، لا الإخبار ؛ لأن الحديث خرج جواباً على سؤال من اعتقد علم الخط على ما اعتقدت العرب ، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك من خواص علوم الأنبياء بما يقتضي الإنكار على من يتشبه به من الناس ، إذ هو من خصوصياتهم ، ومعجزاته الدالة على النبوة ، فهو كلام ظاهره الخبر ، والمراد به الإنكار ، ومثله في القرآن والسنة كثير .
أو يحمل على أنه علَّق الحل بالموافقة بخط ذلك النبي ، وهي غير واقعة في ظن الفاعل ، إذ لا دليل عليها إلا بخبر معصوم ، وذلك لم يوجد ، فبقى النهي على حاله ؛ لأنه علق الحل بشرط ، ولم يوجد ، وهذا أولى من الأول .
أو يحمل على أنه أراد : فمن وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته ، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم ، وهذا يدل على أنه ليس على ظاهره ، وإلا لوجب لمن وافق خطه أن يعلم علم المغيبات التي كان يعلمها ذلك النبي ، وأمر بها في خطه من الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم ، وحينئذ يلزم مساواته له في النبوة ، فلما بطل حمله له على ظاهره لزم تأويله ، وعلم أن الله تعالى خص ذلك النبي عليه السلام بالخط ، وجعله علامة لما يأمره به وينهاه عنه ، كما جعل لنوح عليه السلام من فور التنور علامة الغرق لقومه ، وفقد الحوت علامة لموسى على لقاء الخضر عليه السلام ، وما في سورة الفتح علامة لنبينا صلى الله عليه وسلم على حضور أجله، ومثله كثير . " الفتاوى الحديثية " ( ص 117 ، 118 ) .
فتبين من كلام هؤلاء العلماء أن الحديث يدل على تحريم العمل بعلم الخط ، لا على جوازه ، كما يدل على بطلان طريقة الناس في علم الرمل ، وفسادها ؛ وذلك لأن الإباحة في هذا العلم معلقة بشرط لا يتحقق ، فأدى ذلك إلى عدم الإباحة ، فإن ذلك النبي له خط مخصوص ليس كخط هؤلاء ، أوحاه الله إليه ، وهو مؤيد بالوحي فيما يذكره من المغيبات ، ولا سبيل إلى العلم بموافقة ذلك الخط ؛ لأن الموافقة تقتضي العلم به ، والعلم يكون بأحد طريقين :
أحدهما : النص الصريح الصحيح في بيان كيفية هذا العلم .
والثاني : النقل المتواتر من زمن ذلك النبي إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
وكلا الأمرين منتفٍ .
فدل ذلك على بطلان ما عليه الناس من الخط على الرمل بعد ذلك النبي ، وينبغي أن يعلم في هذا المقام أن الأنبياء لا يدعون علم الغيب ، ولا يخبرون الناس أنهم يعلمون الغيب ، وما أخبروا الناس به من الغيب إنما هو من إيحاء الله إليهم فلا ينسبونه إلى أنفسهم ، كما قال الله تعالى ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) الجن/ 26 ، 27 ؛ لأن الغيب مما اختص الله بعلمه ، فلا يدعيه أحد لنفسه إلا كان مدعياً لبعض خصائص الربوبية ، وهذا ما يفعله أرباب هذه الصناعة ، فظهر بهذا دجل هؤلاء في دعوى أن هذا النبي الكريم معلِّم لهم .
" التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام " ( ص 321 – 324 ) .
والله أعلمونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْ