الحمد لله
روى البخاري (6491) ومسلم (131) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/325) :
" وفيه دليل على أن الملك يطَّلع على ما في قلب الآدمي ؛ إما بإطلاع الله إياه ، أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك .
ويؤيد الأول : ما أخرجه بن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني ، قال : ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا ، فيقول يا رب : إنه لم يعمله ، فيقول : إنه نواه .
وقيل : بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة ، وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج ، ذلك الطبري عن أبي معشر المدني ، وجاء مثله عن سفيان بن عيينة "
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة .... الحديث ) فإذا كان الهم سرا بين العبد وبين ربه فكيف تطلع الملائكة عليه ؟
فأجاب : " الحمد لله ، قد روي عن سفيان بن عيينة فى جواب هذه المسألة قال : " أنه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة ، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة " .
والتحقيق أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما فى نفس العبد كيف شاء " انتهى .
"مجموع الفتاوى " (4/253)
وقال رحمه الله أيضا :
" وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة ، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك ، بل ما فى قلب ابن آدم يعلمونه ، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه ، بل الشيطان يلتقم قلبه ؛ فاذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس ، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره ، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغى فيزينها له !!
وقد ثبت فى الصحيح عن النبى فى حديث ذكر صفية رضى الله عنها ( إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم )
وقرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار ، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/508) .
وأما الذكر في النفس من غير حركة اللسان به ، فإن صاحبه يثاب على ذلك لكن ليس الثواب الخاص المرتب من الشارع على من أتى بذلك الذكر فإن ذلك الثواب مرتب على القول، والقول لا يتحقق من غير لفظ باللسان، لكن من أهل العلم من يرى أن حركة اللسان تكفي ولو لم يصدر صوت يسمعه المتلفظ، وهذا ما ذهب إليه المالكية ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (1/410): " واختار شيخنا –يعني ابن تيمية- الاكتفاء بالحروف وإن لم يسمعها " انتهى .
وجمهور أهل العلم يرون أنه لا بد من لفظ يسمعه نفسه ، قال النووي رحمه الله في شرح المهذب (3/120) : " فإن لم يسمع نفسه فليس ذلك بأذان ولا كلام " انتهى .
وقال أيضا : " اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها ، واجبة كانت أو مستحبة ، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له " الأذكار (42) .
وأما حساب الإنسان على ما تحدثه به نفسه ، فقد سبق الإجابة عنه في السؤال رقم (99324)
والله أعلم .