البقرة 6 - 7
كافراوكذا الليل ولم يأت بالعاطف هنا كما فى قوله أن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم لأن الجملة الأولى هنا مسوقة بيانا لذكر الكتاب لا خبرا عن المؤمنين وسيقت الثانية للاخبار عن الكفار بكذا فبين الجملتين تفاوت فى المراد وهما على حد لا مجال للعطف فيه وإن كان مبتدأ على تقدير فهو كالجارى عليه والمراد بالذين كفروا أناس بأعيانهم علم الله أنهم لا يؤمنون كأبي جهل و ابى لهب وأضرابهما سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم بهمزتين كوفى وسواء بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر ومنه قوله تعالى إلى كلمة سواء اى مستوية وارتفاعه على أنه خبر لأن وأنذرتهم أم لم تنذرهم مرتفع به على الفاعلية كأنه قيل أن الذين كفورا مستو عليهم انذارك وعدمه والجملة خبر لإن و إنما جاز الاخبار عن الفعل مع أنه خبر أبدا لأنه من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى والهمزة و أم مجردتان لمعنى الاستواء وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسا قال سيبويه جرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النداء فى قولك اللهم اغفر لنا أيتها العصابة يعنى أن هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام كما جرى ذلك على صورة النداء ولا نداء والانذار التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصى لا يؤمنون جملة مؤكدة للجملة قبلها أو خبر لإن والجملة قبلها اعتراض أو خبر بعد خبر والحكمة فى الانذار مع العلم بالاصرار إقامة الحجة وليكون الارسال عاما وليثاب الرسول ختم الله على قلوبهم قال الزجاج الختم التغطية لأن فى الاستيثاق من الشئ بضرب الخاتم عليه تغطية له لئلا يطلع عليه وقال ابن عباس طبع الله على قلوبهم فلا يعقلون الخير يعنى أن الله طبع عليها فجعلها بحيث لا يخرج منها ما فيها من الكفر ولا يدخلها ما ليس فيها من الإيمان وحاصل الختم والطبع خلق الظلمة والضيق فى صدر العبد عندنا فلا يؤمن مادامت تلك الظلمة فى قلبه وعند المعتزلة إعلام محض على القلوب بما يظهر للملائكة أنهم كفار فيلعنونهم ولا يدعون لهم بخير وقال بعضهم إن إسناد الختم إلى الله تعالى مجاز والخاتم فى الحقيقة الكافر إلا أنه تعالى لما كان هو الذى أفدره ومكنه أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى السبب فيقال بنى الأمير المدينة لأن للفعل ملابسات شتى يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والمسبب له فاسناده إلى الفاعل حقيقة وقد يسند إلى هذه الأشياء مجازا لمضاهاتا الفاعل فى ملابسة الفعل كما يضاهى الرجل الأسد فى جرأته فيستعار له اسمه وهذا فرع مسألة خلق الأفعال وعلى سمعهم وحد السمع كما وحد البطن فى قوله
البقرة 7 - 8
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
لأمن اللبس ولان السمع مصدر فى أصله يقال سمعت الشئ سمعا وسماعا والمصدر لا يجمع لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير فلا يحتاج فيه إلى التثنية والجمع فلمح الأصل وقيل المضاف محذوف اى وعلى مواضع سمعهم وقرئ على أسماعهم وعلى أبصارهم غشاوة بالرفع خبر ومبتدأ والبصر نور العين وهو ما يبصر به الرائي كما أن البصيرة نور القلب وهى ما به يستبصر ويتأمل وكأنهما جوهران لطيفان خلقهما الله تعالى فيهما آلتين للابصار والاستبصار والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه إذا غطاه وهذا البناء لما يشتمل على الشئ كالعصابة والعمامة والقلادة والأسماع داخله فى حكم الختم لا فى حكم التغشية لقوله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ولوقفهم على سمعهم دون قلوبهم ونصب المفضل وحده غشاوة باضمار جعل وتكرير الجار فى قوله وعلى سمعهم دليل على شدة الختم فى الموضعين قال الشيخ الإمام أبو منصور بن على رحمه الله الكافر لما لم يسمع قول الحق ولم ينظر فى نفسه وغيره من المخلوقات ليرى آثار الحدوث فيعلم أن لا بد له من صانع جعل كأن على بصره وسمعه غشاوة وان لم يكن ذلك حقيقة وهذا دليل على أن الأسماع عنده داخله فى حكم التغشية والآية حجة لنا على المعتزلة فى الأصلح فإنه أخبر أنه ختم على قلوبهم ولا شك أن ترك الختم أصلح لهم ولهم عذاب عظيم العذاب مثل النكال بناء ومعنى لأنك تقول أعذب عن الشئ إذا أمسك عنه كما تقول نكل عنه والفرق بين العظيم والكبير أن العظيم يقابل الحقير والكبير يقابل الصغير فكان العظيم فوق الكبير كما أن الحقير دون الصغير ويستعملان فى الجثة والأحداث جميعا تقول رجل عظيم وكبير تريد جثته أو خطره ومعنى التنكير أن على أبصارهم نوعا من التغطية غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامى عن آيات الله ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم من العذاب لا يعلم كنهه إلا الله ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر افتتح سبحانه وتعالى بذكر الذين أخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم ثم ثنى بالكافرين قلوبا وألسنة ثم ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم وهم أخبث الكفرة لأنهم خلطوا بالكفر استهزاء وخداعا ولذا أنزل فيهم إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار وقال مجاهد أربع آيات من أول السورة فى نعت المؤمنين وآيتان فى ذكر الكافرين وثلاث عشرة آية فى المنافقين نعى عليهم فيها نكرهم وخبثهم وسفههم واستجهلهم واستهزأ بهم وتهكم بفعلهم وسجل بطغيانهم عمههم ودعاهم صمابكما عميا وضرب لهم الأمثال الشنيعة وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا كما تعطف الجملة على الجملة وأصل ناس أناس حذفت همزته تخفيفا وحذفها كاللازم مع لام التعريف لا يكاد يقال الأناس